إتصلت بها بعد ثلاث سنوات



في تلك الليلة وبعد مجهود فكري بسبب الدراسة والقراءة المتواصلة والقيام بعمل بعض التجارب والإختبارات ، وخلط المواد المختلفة للوصول لتركيبة كيميائة مناسبة مع متابعة مستمرة وفتح الإنترنت 24/24 ساعة ذهبت لغرفة نومي الهادئة الساكنة الصامتة التي لا تسمع فيها همساً . إستلقيت على سريري وبدأت أنتظر النعاس الذي لم يكن يتأخر عني كثيراً فيما سبق ، لكن شيئ ما جعلني مددت يدي نحو ( الموبايل ) ( وكان ذلك لا شعورياً ) ، لم أكن أريد النت ولا الألعاب ولا التطبيقات ولا المقاطع المرئية ولا المسموعة ، فقط أردت صندوق الرسائل ( اللعين ) فتحت ذلك الصندوق وبدات في قراءة تلك الرسائل ، وفجأة قدّم لي الهاتف عرضاً غريباً لم أعهده منه ، قال لي ( هل تود فتح رسائل بطاقة SIM ) إستغربت هذا العرض وقررت قبوله ففتح لي تلك الرسائل القديمة المحفوظة على الشريحة التي كانت في جهاز آخر من قبل .


تباً لك يا صديقي ، لقد فتحت لي باباً عظيما نحو مغارة الذكريات الرائعة . 


في هذه المغارة كنوز ودفائن قيمة ، إنها رسائل حبيبة القلب التي إنقطعت أخبارها منذ أكثر من 3 سنوات حين فرقتنا تلك العادات القبلية المتخلفة الغاشمة .


وتحالف النوم مع هاتفي فلم يأتِ ، وتحالف معهما القلب الذي أصر أن أعيد قراءة تلك الرسائل ليتذكر معي هو الآخر تلك الذكريات الرائعة .


ومع قراءة كل رسالة كان القلب يطير ويذهب باحثاً عن تلك الحبيبة ، ثم يعود إليّ ويسألني : هل وجدت شيئاً ؟ فأجيبه : وهل وجدت أنت شيئاً ؟ .


ففي هذه الرسائل كل شيء ، الحب ، الشعر ، الغزل ، السب ، الشجار ، الخصام ، التصالح ، التهاني ، الأغاني ، الغيرة ، السعادة ، الحزن ، كل المشاعر تجدها هنا .


أنظر أيها القلب إلى كلماتها الحية .


هذه أيها القلب الشرس الفتاة الوحيدة التي إستطاعت ترويض شراستك .


هذه إيها القلب العنيد الحسناء الوحيدة التي إستطاعت إخضاعك .


هذه إيها القلب المغرور الطفلة الوحيدة التي إستطاعت تلويعك . لم تستطع فتاة غيرها أن تفعل بك كما فعلت بك هذه الطفلة المشاكسة .


أيها القلب الشجاع أعرف أنك تستطيع خوض الحروب وكأنك تمارس لعبة إلكترونية ، لكنني أعرف أيضاً أنك رفعت الراية البيضاء وإستسلمت لهذه الطفلة .


أيها القلب المحارب كيف صرت مستعمرة لهذه الطفلة .


نظرت إلى رقمها المميز جداً ( وكل مالها مميز ) ونظر معي قلبي ، فهمست له : هل تفكر فيما أفكر فيه ؟ قل نعم فلنتصل بها .


لكن هذا هو رقمها قبل 3 سنوات أي قبل الثورة الليبية التي أطاحت بنظام معمر القذافي وأطاحت بأحلام الكثيرين ، فهل أطاحت تلك الثورة أيضاً برقم حبيبتي ؟ وضعت إصبعي فوق الرقم وإخترت ( إوبشن) إتصال ، هاهي نغمة الإتصال تعمل ومعها صوت المطربة أليسا ، ومع كل نغمة يتحفز القلب للطيران ، إنتهت النغمة المتكررة ، ولا رد .


ماذا جرى ؟ هل هذا الرقم مع غيرها الآن ؟ هل تزوجت وأنا لا أعلم ؟ هل هي ترفض الرد ؟ هل هي نائمة ؟ .


أعدت الكرّة مرة أخرى ، وما إن بدأت نغمة الإتصال حتى سمعت كلمة ( نعم ) .


والقلب أيضاً قال ( نعم إنها هي ) ، هذا هو صوتها ، وهي من ترد علي دائماً بكلمة ( نعم ) ، مازالت كماهي . ساد الصمت قليلاً ، ثم سألتها ( كيف حالك ؟ ) ، فردت ( وهل مازال يشغلك حالي؟ ) . 


مازالت تلك المشاكسة التي ترد على السؤال بسؤال ومازال لديها القدرة على دمج كل المعاني في جملة واحدة ، إنها تقصد ( هل مازلت تحبني ؟ هل مازلت تتذكرني ؟ هل مازلت تتابع أخباري ؟ والكثير من المعاني دمجتها في هذا السؤال .


تواصل الحوار بيننا ، وتواصل ، واستمر ، ولم يتوقف سوى بصوت تلك الفتاة ( الكمبيوترية ) المزعجة وهي تقول ( عفواً لقد نفد رصيدكم ) فقفزت طائراً من فوق سريري وخرجت بملابس النوم لأشتري ( كارت رصيد ) ، وإشتريت ( كارت ) آخر على سبيل الإحتياط ، وإستأنفت الحوار الذي إستمر حتى الفجر ، وبعدما إنتهى الحوار تذكرت أن النوم لم يأتِ في تلك الليل فشكرته على ذلك ، وشكرت تليفوني الذي فتح لي مغارة الذكريات تلك ، وشكرت قلبي الذي أشار علي بالتواصل معها .


أما ما جرى في الحوار فذلك أمر آخر . 


il professore

0 Comments